يعكس الانغماس التركي المتزايد في شؤون الشرق الأوسط رغبة تركيا في التحوّل إلى قوة عظمى إقليمية واثقة من نفسها. ومع ذلك، معالجة أنقرة الانفعالية للقضية التركية كانت ارتكاسية، ومشوبة بالمخاوف وفقدان الشعور بالأمن. وتخلص دراسة جديدة لمؤسسة كارنيغي إلى أنه ما لم تتعلم تركيا كيفية الموازنة بين أولوياتها المتضاربة، فستشهد تفاقماً للقومية المتطرفة والنزعة الانعزالية فيها.

يشرح واضع الدراسة عمر تشبينار طبيعة الدافعين المتنازعين وراء الحيوية التركية الجديدة في الشرق الأوسط وهما: "العثمانية الجديدة" التي تشدد على الانغماس واستعراض النفوذ، مستعيدة بذلك ماضي تركيا الإسلامي والإمبريالي متعدد الثقافات؛ و"الكمالية" التي تهدف إلى استئصال التهديد المفترض للقومية الكردية وإلى حماية هوية تركيا العلمانية والقومية. ويدرس تشبينار تأثير التطورات السياسية التركية الأخيرة، وخاصة عودة بروز التحدي الكردي، على السياسة الخارجية التركية، كما يستطلع آفاق علاقات أنقرة مع الغرب والشرق الأوسط، بما في ذلك علائقها الوثيقة مع سوريا وإيران.

خلاصات رئيسة:

  • العثمانية الجديدة هي المحرّك الرئيس للسياسة الخارجية للحزب الحاكم في تركيا. ويطل نقاد هذا الحزب، وفي مقدمهم الجيش والمؤسسة القومية الأمنية، على العثمانية الجديدة وعلى استخدامها القوة اللينة في الشرق الاوسط، على أنها تهديد للهوية العلمانية الكمالية لتركيا.
     
  • تشعر المؤسسة العلمانية القومية التركية بالامتعاض من الغرب بسبب دعمه للأكراد و"الإسلام المعتدل" في تركيا، فيما تحبّذ العثمانية الجديدة إقامة علاقات طيبة مع واشنطن وبروكسل. وهذا التباين في مواقف الطرفين يشكّل إعادة تموضع مهمة في السياسة الخارجية التركية.
     
  • كلا الفريقين يحبّذ تحسين العلاقات بين أنقرة وبين طهران ودمشق. وتعتبر العثمانية الجديدة أن هذه الخطوة جزء من تنامي النفوذ الإقليم التركي، فيما يرى الكماليون هذه العلاقات على أنها مجرد مصالح مشتركة تتمثّل في احتواء القومية الكردية ومنع بروز كردية أمة مستقلة على حدود تركيا.
     
  • إذا ما وقع انقلاب عسكري أو قضائي وأطاح بحزب العدالة والتنمية- كما أوشك أن يحدث في نيسان/إبريل 2007 وتموز/يوليو 2008- فإن شكلاً راديكالياً من الكمالية سيهيمن على السياسات الخارجية والداخلية التركية، وهذا سيقود إلى مواقف أكثر تصعيداً ضد التحدي الكردي، خاصة في العراق.

يخلص تشبينار إلى القول:
"الرهانات والمخاطر بالنسبة إلى تركيا وإلى مستقبل منطقة الشرق الأوسط كبيرة. وتعتبر تركيا، التي تضمّ ما يزيد عن 70 مليون مسلم، أكثر الديمقراطيات تقدّماً في العالم الإسلامي. ومن شأن استقرارها وتوجهها الغربي وسيرها قدماً في اتجاه الاتحاد الأوروبي أن يجعل منها سوقاً كبيراً متنامياً للبضائع الغربية، ومساهماً في إمداد أوروبا باليد العاملة التي هي بأمس الحاجة إليها، ونموذجاً ديمقراطياً للعالم الإسلامي كافة، وذلك إلى جانب كونها عامل استقرار مؤثراً في العراق وشريكاً في أفغانستان. وفي المقابل، من شأن تركيا معزولة، وسلطوية، وممتعضة، أن تكون عكس كل هذه الأشياء. وإذا ما سارت السياسات المحلية في الإتجاه المخطيء، فستتوقف تركيا عن كونها قصة نجاح ديمقراطي لتصبح عامل لا استقرار في الشرق الأوسط".