بعد أيام فقط من تمرير البرلمان العراقي لقانون الانتخابات الجديد، وفيما كانت البلاد تنتظر التصديق عليه من قبل مجلس الرئاسة (الرئيس ونائباه)، اعترض نائب الرئيس العراقي على مشروع القانون، مُهدّداً بتأجيل الانتخابات، والتي يجب أن تجرى، وفقا للدستور، بحلول نهاية كانون الثاني/ يناير2010. قد يؤدي التأجيل إلى وجود حكومة تصريف أعمال غير دستورية برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي، وُيهدد بتأجيج أعمال العنف الطائفي محدداً وتأخير انسحاب القوات الأميركية من العراق. 
 
مجلس الرئاسة يُعد لخوض معركة مع البرلمان حول توزيع المقاعد
 
 
دعا نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والرئيس جلال طالباني، مكررين رغبات البرلمان الكردي، إلى تعديل المادة الأولى من قانون الانتخابات للسماح بحجز نسبة 15 في المئة من المقاعد الـ 323 في البرلمان المقبل كـ"مقاعد وطنية. "وسيتم تخصيص هذه المقاعد للأقليات، والمقاعد "التعويضية" للعراقيين الذين يعيشون في الخارج، والأحزاب التي تحقق نجاحاً على الصعيد الوطني لكنها تفشل في الفوز بمقاعد في أي محافظة بعينها. 
 
حالياً، هناك نسبة 5 في المئة فقط من المقاعد في البرلمان المُقبل، أي ما مجموعه 16 مقعداً، مُخصّصة كمقاعد وطنية، حيث تم حجز ثمانية مقاعد للأقليات، وثمانية مقاعد تعويضية. وقد طالب الهاشمي، منتقداً القانون بعنف بوصفه غير منصف بالنسبة إلى العراقيين في المنفى، بزيادة النسبة من 5 إلى 15 في المئة لتعكس العدد "الحقيقي" لللاجئين والمغتربين العراقيين. 
 
كما اقترح الهاشمي أن تعود البلاد إلى المادة 19 من قانون انتخابات العام 2005، وهو  القانون الذي يزعم أنه يضع المغتربين العراقيين على قدم المساواة مع أولئك الموجودين في البلاد، وهدد باستخدام حق النقض ضد مشروع قانون الانتخابات إذا لم يعدل بحلول 17 تشرين الثاني/نوفمبر، داعيا المفوضية العليا للانتخابات العراقية والبرلمان 
إلى ضمان إدخال تعديلات سريعة كي يمكن إجراء الانتخابات في الموعد المحدد. وعلى هذا النحو، اعترض الهاشمي على مشروع القانون، وأوقفت المفوضية العليا للانتخابات عملية التحضير للانتخابات. فهي تحتاج إلى 60 يوما بعد التصديق على قانون الانتخابات للتحضير للتصويت، وبما أنه تم تحديد 16 كانون الثاني/يناير  كتاريخ أوّلي فلايمكن إجراء الانتخابات في ذلك اليوم.
 
في حين أن قانون الانتخابات للعام 2005 خصّص 45 مقعداً للأقليات والمقاعد التعويضية، فإن مشروع القانون الحالي خصص عدداً أقل بكثير. إذ يُحدد القانون نسبة عضو واحد في البرلمان عن كل 100,000 ناخب في الدائرة الواحدة، وبالتالي يقرر عدد المقاعد لكل محافظة. وبما أن معظم التقديرات حيال العراقيين الذين يعيشون في الخارج تتراوح ما بين 1.5 إلى 3 ملايين نسمة، فإن المقاعد الثمانية المخصصة بعيدة كل البعد عن تمثيل هذه الشريحة من السكان العراقيين، لاسيما بالنظر إلى أن المقاعد الوطنية الثمانية تهدف إلى توفير تمثيل للأحزاب السياسية الصغيرة. 
 
حتى قيام الهاشمي بنقض قانون الانتخابات، كان النقاش الانتخابي الذي شوّه سمعة مجلس الرئاسة على مدى الأشهر الأربعة الماضية يتعلّق أساساً بقضية كركوك، ماسمح بقدر قليل من البحث في القضايا الأخرى. وعلى الرغم من أن النقض جاء بمثابة مفاجأة للكثيرين، إلا أن العديد من الأحزاب الصغيرة والأقليات والسنّة والأكراد لم يكونوا راضين عن عدد المقاعد الوطنية التي يحددها القانون، وبالتالي كان لا بد أن تثار المسألة مرة أخرى، ما يؤدي إلى تأخير المصادقة على القانون. وبما أنه من المقرر أن يعود مشروع القانون إلى البرلمان، حيث لن تكون المناقشة النهائية محصورة في مسألة المقاعد الوطنية، فإن خطوة الهاشمي تخاطر بتأجيل الانتخابات أكثر. 
 
 
من ناحية أخرى، فإن مسألة المقاعد الوطنية أوجدت شراكات غريبة. فإضافة إلى الأقليات يعتبر السنّة والأكراد القاعدتين الانتخابيتين الرئيسيتين اللتين ستستفيدان من زيادة المقاعد الوطنية. وعلى هذا النحو، وبعد تبادل الاتهامات بشأن كركوك، تكاتف زعماء الجماعتين دعماً لتنقيح مشروع القانون.
 
 
ويُعتقد أن غالبية اللاجئين العراقيين من السنّة، وبالتالي فإن زيادة نسبة المقاعد الوطنية من شأنها أن تحقق قدراً أكبر من التمثيل للسنّة في البرلمان. كما أن الأكراد أيضاً سيستفيدون من هذه الزيادة، حيث هربت أقليات كثيرة إلى كردستان العراق قبل وبعد سقوط نظام حزب البعث، ويعتقد أن معظمها تدعم الأحزاب الكردية في السلطة، ولاسيما اليزيديين والشبك. ونتيجة لذلك  من المتوقع أن يحقق اقتراح الهاشمي قدراً أكبر من التمثيل للأكراد، أو للأحزاب الأكثر انسجاما مع مصالحهم.
 
 
الأكراد يشكّون في تعداد الحكومة العراقية للسكان
 
 
لكن مطلب الهاشمي ربما خلق وضعاً من شأنه التسبب في كثير من المتاعب. فقد احتجّت القيادة الكردية بالأمس على تخصيص المقاعد الحالية إلى محافظات مختلفة، وهددت بمقاطعة الانتخابات المقبلة مالم يُعِد البرلمان النظر في هذه المسألة. ووفقا لما تقوله حكومة إقليم كردستان، فإن وزارة التجارة - والتي تحدد عدد السكان في كل محافظة بناء على بطاقات التموين - استخدمت بيانات غير دقيقة في تحديد عدد المقاعد المخصصة للمحافظات، ولم تحصل المحافظات الكردية دهوك والسليمانية وأربيل على حصة عادلة من المقاعد.
 
    إذا استفادت بعض الفصائل وأعضاء في البرلمان من عودة قانون الانتخابات إلى البرلمان لطرح قضايا أخرى للتعديل، فمن الممكن أن تتجاوز المناقشات الإطار الزمني المحدود جداً أمام العراق للتصديق على مشروع القانون.
 
وفي حين يمكن أن تتسبب هذه المسألة في بعض الجدل، فإنها لن تؤثّر على القانون الانتخابي أو تصل إلى البرلمان كي تتم مراجعتها. بدلاً من ذلك، سيتوجب على وزارة التجارة حل هذه المشكلة بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان. وفي الواقع، فإن المحافظات الكردية الثلاث حصلت على زيادات أقل بكثير في أعداد المقاعد مما حصلت عليه بعض المحافظات الأخرى. على الرغم من أن العدد الإجمالي للمقاعد في البرلمان العراقي سيرتفع من 275 إلى 323 في هذه الانتخابات، فإن السليمانية لم تحصل على أي زيادة في التمثيل البرلماني، وهي المحافظة الوحيدة في العراق التي يصح فيها ذلك. وبالمثل، كانت أربيل المحافظة الوحيدة التي تحصل على مقعد زائد واحد فقط عن الـ 13 مقعداً الحالية. 
 
يقول بعض العراقيين إن الحكومة بالغت في تقدير عدد الأكراد في السنوات الأخيرة، وقللت من تقدير عدد سكان المناطق ذات الأغلبية السنّية، وإنه يجب تعديل تمثيلهم على هذا النحو.  وبطبيعة الحال، فإن الأكراد يعتقدون أن نظام تحديد عدد الناخبين استناداً لبطاقات التموين أمر معيب، ويطالبون بأن تستخدم وزارة التجارة صيغة أخرى لتحديد الهوية.
على الرغم من عدم وجود علاقة بين مسألتي المقاعد الوطنية وتوزيع المقاعد البرلمانية بين المحافظات، فإن عدم معالجة أي من المشكلتين بسرعة، يمكن أن يؤدي إلى مأزق سياسي، وفي حالة المقاعد الوطنية، إلى تأخير خطير لانتخابات كانون الثاني/ يناير المقبل.
           _______________________________
دانيال أنس قيسي هو حالياً زميل في برنامج الشرق الأوسط في معهد كارنيغي للسلام الدولي. حاصل على درجة البكالوريوس من معهد تحليل وحل النزاعات في جامعة جورج ميسون.