مع اندلاع العنف في غزة مؤخراً، والجهود الحثيثة التي قام بها الفلسطينيون للحصول على وضع دولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزيادة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي يمكن أن تؤدّي إلى تقسيم الدولة الفلسطينية المستقبلية، يبدو أن الآمال المعلّقة على عملية السلام قد تبددت.

في سؤال وجواب، يقول مروان المعشر إن حلّ الدولتين سيصبح مستحيلاً قريباً. ومع ذلك، وعلى رغم الصعوبات التي تنتظرنا، يتعيّن على الولايات المتحدة بذل جهود كبيرة لإيجاد حلّ قبل نفاد الوقت، حيث إن كلفة الانتظار كبيرة جداً.

هل ستعطي إدارة أوباما الجديدة دفعة لعملية السلام؟

هل لايزال حلّ الدولتين قابلاً للتطبيق؟

ما الذي يجب أن يحدث لتحقيق السلام؟ ما هو الدور الذي ينبغي أن تقوم به الولايات المتحدة؟

كيف ستؤثّر الانتخابات البرلمانية المقبلة في إسرائيل على موقفها بشأن المحادثات؟

ما هي إستراتيجية الفلسطينيين للفوز بإقامة الدولة؟ وهل فتح وحماس متفقتان على الطريق إلى الأمام؟

هل تستطيع الدول العربية كسر الجمود والتوصّل إلى حلّ دائم؟

هل ستعطي إدارة أوباما الجديدة دفعة لعملية السلام؟

مروان المعشّر
مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الدبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات.
More >

لاتبدو الأمور مبشّرة في هذا الشأن. إذ لاتوجد مؤشّرات حتى الآن على أن الإدارة الأميركية ستبذل جهداً كبيراً أو تستثمر رأس المال السياسي اللازم في عملية السلام. 

تواجه الولايات المتحدة عدداً من التحدّيات الداخلية والخارجية التي من شأنها،من أسف، دفع عملية السلام إلى آخر مراتب أجندتها. وتشكّل الهاوية المالية مجرّد مثال واحد على القلق الداخلي الذي سيستغرق وقتاً كان يمكن أن يُخَصّص للشؤون الخارجية.

في منطقة الشرق الأوسط وحدها، يحتاج أوباما لأن يحدّد ما يجب القيام به إزاء إيران وسورية والتحوّلات التي تشهدها المنطقة نتيجة للصحوة العربية. وهذا يعني أن الصراع العربي - الإسرائيلي سيكون أولوية متدنّية نسبياً في سُلَّم القضايا الإقليمية. إذ تشعر الإدارة الأميركية ببساطة وكأن الجانبين ليسا مستعدّين لإبرام اتفاق.

ولكن هذا خطأ، حيث إن الوقت ليس بلا حدود وهناك فرصة محدودة جداً، وهي تضيق، للتوصّل إلى حلّ الدولتين. وإذا ما كانت الولايات المتحدة ترغب في تجنّب الفوضى الناجمة عن غياب الحل، فعليها أن تتحرّك الآن.

هل لايزال حلّ الدولتين قابلاً للتطبيق؟

يكمن السبب في أن فرصة التوصل إلى حلّ الدولتين تفلت من بين أيدينا في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. فهناك أكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهذا يدمّر احتمالات السلام. ومن غير الواضح كيف سيتم الفصل بين المجتمعين حتى لو حدث تقدّم مهم في العملية السلمية اليوم.

إذا ما استمرّ العالم في انتظار توقيت أفضل للتوصل إلى السلام، فسيتم بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية، وخاصة في القدس الشرقية، ما يجعل تطبيق حلّ الدولتين مستحيلاً. ومن المهم فهم حقيقة أن أي حلّ لايعطي القدس الشرقية للعرب والفلسطينيين ليس حلاً على الإطلاق. ولذا يجب أن تكون القدس جزءاً من المعادلة.

هذا فضلاً عن أن المؤشرات الديموغرافية داخل إسرائيل تجعل إجراء أي صفقة أخرى محتملة، وخاصة حلّ الدولة الواحدة، مسألة إشكالية إلى حد كبير. فهناك عـدد متســاوٍ من العـرب واليهــود - 6 ملايين - في المناطق الخاضعة إلى السيطرة الإسرائيلية، فيما يتزايد السكان العرب بمعدل أسرع.

إذا لم يتم التوصّل إلى حلّ الدولتين، فستأخذ التركيبة السكانية مركز الصدارة، ولن تعود إسرائيل قادرة على تجاهل الأمر الواقع. ويمكن أن يصبح السكان اليهود أقلّية في حلّ الدولة الواحدة، وحينها لن نخطىء إذا ما افترضنا أن الفلسطينيين سيطالبون بالمساواة في الحقوق وأن يُسمع صوتهم.

ما الذي يجب أن يحدث لتحقيق السلام؟ ما هو الدور الذي ينبغي أن تقوم به الولايات المتحدة؟

يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تبذل جهداً كبيراً كي تجعل الحلّ ممكناً. لكن، على رغم أن الإطار الأساسي للتوصّل إلى حل الدولتين معروف بالفعل، فإن هناك، استناداً إلى المعايير التي حدّدها بيل كلينتون في العام 2000 ومبادرة السلام العربية في العام 2002، عملاً يجب القيام به قبل طرح أي شيء جديد على الطاولة. 

يجب أن تبدأ الإدارة الأميركية جهودها في العملية السلمية من خلال الانخراط في مناقشات خاصة مع كل اللاعبين الرئيسيين. وهذا يشمل إجراء محادثات مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، للتأكد من أن عناصر أي صفقة تلبّي احتياجاتها، وخاصة بشأن القدس الشرقية. 

وهي بحاجة أيضاً إلى تحديد الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء، في قضايا مثل اللاجئين ونزع سلاح حماس وحزب الله والحدود. إذ أن فهم الخطوط الحمراء يوضّح أكثر ما يمكن أن يعطيه كل طرف إذا ما تم الوفاء باحتياجاته.

وأخيراً، يتعيّن على أوباما التعاطي مع الرأي العام الأميركي، وخاصة الجالية اليهودية. ولكي يتم تمرير أي اتفاق في الداخل، يتعيّن على الأميركيين أن يواجهوا حقيقة أنه ستترتّب على الفشل في التوصّل إلى اتفاق على حلّ الدولتين آثار وخيمة على بقاء دولة إسرائيل في المستقبل.

حالما يتمّ ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تضع، جنباً إلى جنب مع الأعضاء الآخرين في اللجنة الرباعية، التي تضمّ أيضاً الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، حزمة شاملة وتدعو جميع الأطراف إلى مؤتمر دولي. ويجب أن يكون الإطار الزمني لهذا كله بضعة أشهر فقط وليس بضع سنوات.

إذا لم يكن الرئيس شخصياً مستعدّاً للالتزام تماماً بهذه الخطة، فإنه يجري الحديث عن فكرة تتمثّل في تعيين مبعوث رفيع المستوى لديه السلطة الكاملة لدفع عملية السلام إلى الأمام. ويشير البعض إلى أنه ربما تكون هناك حاجة إلى شخص يمتلك مكانة تكفي لأن يقوم بعمل يسجله التاريخ، مثل الرئيس السابق بيل كلينتون، أو أن على الرئيس تمكين وزير خارجيته المقبل من القيام بهذه المهمة.

وعلى رغم أن هذا المطلب يبدو مثالياً وبعيد المنال بالنسبة إلى الكثير من الناس، ينبغي على أوباما أن يفكّر بالبديل. فعدم إيجاد حلّ يمكن أن يؤدّي إلى سفك دماء واضطرابات في الشرق الأوسط واستمرار تدهور صدقيّة الولايات المتحدة في المنطقة.

لقد ذكر البعض داخل الإدارة الأميركية أن على الولايات المتحدة أن تقدم بديلاً لإجبار إسرائيل، على وجه الخصوص، على العمل: توجيه ضربة لإيران من أجل تحريك عملية السلام. سيكون هذا مماثلاً في بعض جوانبه لما حدث في حرب الخليج الأولى عندما أطلق الرئيس جورج بوش الأب عملية السلام في مدريد.

بيد أن هناك شكوكاً مشروعة حول ما إذا كان هذا يمثّل أحد الخيارات بالفعل. أولاً، لن يمضي العالم العربي قدماً بشأن محادثات السلام إلا إذا اقتنع القادة بأن الأمر ليس مجرد تقطيع وقت في إجراء محادثات، في حين يتواصل النشاط الاستيطاني.

ثانياً، من غير المؤكّد أن ترضخ الحكومة الإسرائيلية الائتلافية الحالية إلى مثل هذا السيناريو. وثالثاً، ثمة اعتقاد متداول على نطاق واسع مفاده أن واشنطن لن تقصف إيران حتى يتم استنفاد السبل الدبلوماسية وكل الخيارات الأخرى، هذا الأمر يستغرق سنتين على الأقلّ ولا يمكن لعملية السلام الانتظار كل هذا الوقت.

من الصعب للغاية تجديد الجهود الدبلوماسية، لكن أكلاف الانتظار أكبر بكثير. ولا يمكن تجميد الوضع الراهن في الوقت الذي تتغير الحقائق على أرض الواقع. ولن يكون هناك توقيت أفضل لبدء تلك الجهود. على أوباما أن يبدأ الآن، لأن انتظار مجيء الرئيس التالي ليس ترفاً متوفراً.

كيف ستؤثّر الانتخابات البرلمانية المقبلة في إسرائيل على موقفها بشأن المحادثات؟

نظرياً، إذا أدّت الانتخابات الإسرائيلية إلى فوز شخص أكثر اعتدالاً، فإن احتمالات التوصّل إلى سلام يمكن أن تتغير. ولكن هذا الاحتمال غير مرجّح في هذه المرحلة. ويبدو أنه سيتم إعادة انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، وسيعقد شراكة مع المتشدّد أفيغدور ليبرمان وحزبه "يسرائيل بيتنا".

ومع ذلك، فإن الغالبية في إسرائيل لاتزال ترغب في رؤية حلّ الدولتين. المشكلة هي أنهم لايعتقدون أن حل الدولتين ممكن لأن أحداً لم يبيّن لهم أنه كذلك، وليس هناك إحساس بالحاجة الملحّة لذلك. في الوقت الراهن، لاتعتقد إسرائيل، بصورة عامة، أنها بحاجة للتعامل مع القضية الفلسطينية فيما هي تشعر بأنها آمنة نسبياً خلف الجدار التي شيّدته وبأن اقتصادها على ما يرام.

تتمثّل إستراتيجية نتنياهو في مواصلة تغيير الحقائق على الأرض إلى أن يصبح حل الدولتين أمراً غير وارد، وبعد ذلك سيفكّر بحلول أخرى. وربما ينظر في تنفيذ انسحاب من جانب واحد وراء جدار بطريقة من شأنها أن تبقي القدس الشرقية وجزءاً من الضفة الغربية في يد إسرائيل. والمشكلة هي أن هذا لن يحلّ أي شيء حيث لن يقبل العرب والفلسطينيين ذلك. يمكن لنتنياهو أيضاً محاولة جعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة للفلسطينيين، على أمل أن يرحلوا في نهاية المطاف.

في حين لم يعلن أحد في إسرائيل عن إستراتيجية علنية إذا أصبح حلّ الدولتين مستحيلاً، فإن هذه هي الخيارات التي يتحدث الناس عنها. ولكن حلّ الدولتين لم يعد في مصلحة العرب والفلسطينيين فقط، بل في مصلحة إسرائيل أيضاً.

ما هي إستراتيجية الفلسطينيين للفوز بإقامة الدولة؟ وهل فتح وحماس متفقتان على الطريق إلى الأمام؟

الفلسطينيون ضعفاء ومنقسمون بين حماس وفتح. هناك أساساً كيانان مختلفان أحدهما في الضفة الغربية والآخر في غزة. ولكن الاثنين لازالا غير مقتنعين بأن إسرائيل مستعدة وراغبة في منحهما الحد الأدنى الذي يحتاجانه لاقامة دولة قابلة للحياة.

وقد استنفد الفلسطينيون أساساً كل الخيارات، وهذا هو السبب في أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قدّم طلب الحصول على وضع دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وهذا يشكّل محاولة لتثبيت، من الناحية القانونية، ما لا يمكن تثبيته على الأرض في هذه المرحلة. لكن عباس يدرك أن هذا لايحلّ المشكلة.

ويستمرّ أيضاً تناسي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفلسطينية. ومن دون إجراء تصويت جديد ينظر إليه على أنه ذو صدقية، تبقى هناك تساؤلات حول شرعية الهيكل الحالي.

الانتفاضة الفلسطينية هي الأمر الذي يمكن أن يغيّر اللعبة. من غير الواضح ما إذا كانت ستندلع انتفاضة في هذه المرحلة، ولكن الانتفاضة قد تجبر المجتمع الدولي وإسرائيل على التعامل مع هذه القضايا بشكل مختلف.

هل تستطيع الدول العربية كسر الجمود والتوصّل إلى حلّ دائم؟

لايمكن أن يكون حلّ الصراع اتفاقاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل يجب أن يكون اتفاقاً إقليمياً لكي ينجح. إسرائيل بحاجة للتوصّل إلى اتفاق مع جميع الدول العربية، والدول العربية بحاجة لدعم التنازلات المؤلمة التي سيضطرّ الفلسطينيون إلى تقديمها.

في ظل الصحوة العربية تشهد المنطقة تغيّراً هائلاً. إذ تواجه إسرائيل الآن وضعاً لن يتم فيه إلغاء معاهدات السلام الثنائية، لكن الحكومات الجديدة لن تحرّك ساكناً لتقديم يد العون دون حلّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

بطبيعة الحال، سورية ليست في وضع يمكنّها من الانخراط في العملية السلمية اليوم، لكن أي نظام جديد سيقبل صفقة تعيد إليه مرتفعات الجولان على طول حدود 4 حزيران (يونيو) 1967. فمن المعروف أن الرئيس السوري بشار الأسد ونتنياهو كانا على وشك التوصّل إلى اتفاق إلى أن اندلعت الانتفاضة السورية، وهذا يعني أن إسرائيل وافقت بالفعل من حيث المبدأ على الانسحاب.

لايمكن تجاهل القوى العربية ويجب أن تكون جزءاً من هذه العملية. ولكن من المهم أن نتذّكر أنه في حين أن أي حلّ يعتمد على الدعم العربي، فإن المشاركة الأميركية الفعّالة لاتزال ضرورية.