أكّد الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة معه بُثَّت على قناة الإخبارية الرسمية الأسبوع الفائت، أن على بلاده أن تختار الخضوع إما إلى "الاستعمار الحديث" من الغرب، وإما إلى قوى التطرّف الإسلامي "الظلامية التكفيرية". وحذّر من أن أوروبا والولايات المتحدة ستدفعان ثمن إضعافهما الدولة السورية، إذ أن القاعدة ستُحوِّل سورية إلى ملاذ للجهاديين الآتين من الدول المسلمة الأخرى. وختم الأسد بالقول إنه "لا يوجد خيار أمامنا سوى الانتصار... إن لم ننتصر، فسورية تنتهي". 

 
هذا الكلام ليس بجديد، كما ليست بجديدة ردودُ المعارضة السورية التي وصفت الأسد بـ"منفصل عن الواقع" و"متوهّم"، وردودُ فعل الإعلام الغربي الذي رأى أن موقف الأسد "يزداد تصلّباً". لكن الجديد الذي يمكن أن نستشفّه هو أن الأسد يتوقّع أن يبقى في الحكم إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2014، وينوي استغلال هذا الأمر لصالحه في المفاوضات مع الأطراف الخارجية الفاعلة الأساسية التي تصطفّ ضدّه حالياً.
 
يزيد صايغ
يزيد صايغ باحث رئيسي في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تركّز أبحاثه على الأدوار السياسية والاقتصادية المقارَنة للقوات المسلحة العربية، والتداعيات التي تخلّفها الحرب على الدول والمجتمعات، والجوانب السياسية لعملية إعادة البناء وتحوّل قطاع الأمن وفي المراحل الانتقالية التي تشهدها الدول العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج الأنظمة السلطوية.
More >
يعكس توقّعُ الأسد هذا ثقته المتزايدة بأن قوات النظام إن صمدت حتى الآن في وجه ثوار المعارضة المسلّحين، فتستطيع الصمود حتى المستقبل المنظور. لا شكّ أن المكاسب العسكرية التي جرى تحقيقها مؤخّراً في أجزاء مختلفة من البلاد تشجّع الموالين للنظام على التفكير في قلب المعادلة، علماً أن أكثرهم تصلّباً لا يرى أي داعٍ إلى إقامة حوار مع المعارضة السورية.
 
الواقع أنه لطالما كان مستَبعداً إطلاقُ حوارٍ هادفٍ على أساس الخطة التي وضعها الأسد في الخطاب الذي ألقاه في دار الأوبرا في دمشق، في 6 كانون الثاني/يناير. لكن في مطلق الأحوال، لقد تخلّى الأسد فعلياً عن الدعوة إلى الحوار في سلسلةٍ من المقابلات مع وسائل الإعلام البريطانية والتركية والسورية منذ آذار/مارس. وهو عوضاً عن ذلك شكّك مراراً وتكراراً بإسهابٍ بتماسك المعارضة وصِفَتِها التمثيلية، طارحاً الأسئلة البلاغية التالية: "مَن ستجري دعوته إلى مؤتمر الحوار الوطني، وعلى أي أساس؟... هل التمثيل مرتبط بعدد أعضاء حزب معيّن؟ وكيف؟"
 
إن استبعاد المعارضة ليس بجديد، ولكن بالتشديد على أنها لا تستحقّ الانتباه الجدّي، تُظهِر مقابلات الأسد الأخيرة أنه يضع نصب عينيه هدف التأثير على الأطراف الفاعلة الخارجية.
 
فالمقابلة التي أجرتها قناة "أولوسال" وصحيفة "أيدينليك" التركيّتين مع الرئيس السوري في 2 نيسان/أبريل، رَمَت بوضوح إلى تغذية القلق العام إزاء السياسة التي ينتهجها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في ما يتعلّق بسورية. فالأسد تعامل بمهارة مع القضية الكردية المثيرة للجدل معترفاً بالحقوق الإثنية الكردية ومعارِضاً الانفصالية، وسعى إلى استمالة الجمهور التركي بإعادة إحيائه فكرة إقامة شبكات مشتركة تربط الدولتين وجيرانهما في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية.
 
لقد استخدم الأسد المقابلة المعدّة مع قناة الإخبارية في 17 نيسان/أبريل ليبعث بتحذير مبطّن إلى الأردن، الذي اتّهمه بالسماح لـ"آلاف" الثوار باجتياز الحدود بين البلدَين مع "أسلحتهم وعتادهم". وقد أكّد أن "الأردن معرَّض له [للحريق] كما هي سورية معرّضة له"، ملمِّحاً إلى التمرّد المسلح الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين السورية بين العامين 1976 و1982. وحثّ الأسد السلطات الأردنية على "تعلّم ما تعلّمه المسؤولون العراقيون، لأنهم... تعلّموا تماماًَ أن الحريق في سورية لا بد أن ينتقل إلى دول الجوار". وتحذير الأسد هذا ليس من دون مغزى، إذ أن الأردن يستعدّ لاستقبال موجة هائلة من اللاجئين الهاربين إليه مع احتدام المعارك حول دمشق وفي محافظة درعا.
 
لكن الجمهور الأجنبي لم يكن هدف الرئيس الأسد الوحيد، ذلك أن المقابلة تضمّنت أيضاً رسائل واضحة موجّهةً إلى الداخل. فمن جهة، عرضَ إنجازات النظام الدينية، قائلاً إنه سمح "ببناء 18 ألف جامع... وبنى 220 مدرسة شرعية وثانوية شرعية... [و]بنى عشرات المعاهد لتأهيل الدعاة " منذ العام 1970. ومن جهة أخرى، أعاد التشديد على رفضه الطائفية، وهو موضوع يكرّر طرحه منذ خطابه في دار الأوبرا في كانون الثاني/يناير. وقد ربط عمداً الخطاب الطائفي بالإخوان المسلمين، مذكّراً ضمناً جمهوره مرة أخرى بالمغامرة العسكرية الكارثية التي خاضتها المجموعة الإسلامية منذ عقود عدة. وتفاخر الأسد قائلاً: "أستطيع أن أقول من دون مبالغة إن الوضع الآن في سورية أفضل منه في بداية الأزمة". وبعد أن أشاد بـ"الوحدة الوطنية الحقيقية" التي أظهرها مسيحيو سورية ومسلموها، ختم قائلاً: "أنا لست قلقاً منها [الطائفية] على الإطلاق".
 
كما أن المقابلة مع قناة الإخبارية هدفت من دون شكّ إلى إصلاح التدهور في العلاقات مع أكراد سورية عقب الصدامات التي وقعت بين الجيش وميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في حلب ومدينة القامشلي في شمال شرق البلاد. فأكّد الأسد قائلاً إن "الأكراد في سورية هم جزء طبيعي وأساسي من نسيج مجتمعنا". هذا وقد عدّد التدابير التي اتّخذتها الحكومة لتحسين وضعهم، مثل تجنيس 110 آلاف كردي سوري في العام 2011، وإضافة مادتَي اللغة الكردية والأدب الكردي إلى مناهج الجامعات السورية. والأهم أن الأسد سعى إلى تبديد التكهّنات بأن بداية محادثات السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، الذي تربطه بحزب الاتحاد الديمقراطي علاقات وثيقة، أنذرت بانقطاع العلاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي. فقد شدّد بوضوح على أن "علاقتنا جيدة بالأكراد، بمَن فيهم الأحزاب الكردية التي تناضل من أجل حقوقها في تركيا".
 
في الواقع، تقوم معظم هذه الرسائل على إدارة الأزمة وكسب الوقت. بيد أن مناورات الأسد ليست من دون هدف، وجدوله الزمني ليس غير محدَّد. ومن الواضح أنه لا يتوقّع القتال حتى النفس الأخير، بل إن إصراره على أن "ما يقرّره الشعب في هذا الموضوع هو الأساس بالنسبة إلى بقاء الرئيس أو ذهابه"، يشير بقوة إلى أنه ينوي استخدام الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أيار/مايو 2014 لصالحه السياسي. فالأسد يشعر أنه في موقع يخوّله التفاوض، ويتوقّع أن يكون الآخرون مُلزَمين بالتعامل معه.
 
وقد لا يكون ذلك توهّماً. ففي 20 نيسان/أبريل، كرّر وزير الخارجية الأميركية جون كيري التزام مجموعة أصدقاء سورية الداعمة للمعارضة بتشكيل "حكومة انتقالية يتّفق عليها الجانبان، تضع إطاراً لعملية انتقالٍ منتخبٍ للقيادة الجديدة في سورية". ومع أن هذا الكلام يفترض بوضوح أن الأسد لن يترشّح للرئاسة في انتخابات يُتَّفَق عليها، إلا أنه يُعَدّ أيضاً قبولاً واضحاً بأن يبقى الرئيس في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، وفي ذلك تجاوزٌ لحجر عثرةٍ أساسيٍّ أعاق حتى الآن الاتفاق مع روسيا. وبعد يوم واحد فقط على كلام كيري، قال الأسد، حسبما زُعِم، لوفدٍ من سياسيين لبنانيين قام بزيارة له: "الأميركيون براغماتيون منذ بداية الأزمة، ولا يذهبون إلى الآخر، وهم في النهاية يمشون مع الرابح".
 
إذن، هل يلوح في الأفق اتّفاق؟ ذلك غير مرجّح، والأزمة السورية ستزداد سوءاً إلى حدّ أكبر بكثير قبل أن تصبح الأحزاب الرئيسة مستعدّةً للتفاوض جدّياً. عندئذ يُرجَّح أن تكون الانتخابات الرئاسية مفتاح الوصول إلى حلٍّ متّفقٍ عليه. هذا لا يعني أن الأسد قد يسمح في نهاية المطاف بتنافس حقيقي من مرشّحي المعارضة – أو حتى بإجراء انتخابات رئاسية – ولكنه يعكس أهمية أيار/مايو 2014.