أدّى النزاع الذي طال أمده في سورية، والذي نتج عن انتفاضة مناهضة للحكومة بدأت في أذار/مارس 2011، إلى فرار أعداد هائلة من السوريين من وطنهم. وأصبح الكثير منهم لاجئين في لبنان المجاور.
 
توفّر المقابلات التي أجريت مع لاجئين سوريين وأفراد من المجتمعات اللبنانية المضيفة والمنظمات غير الحكومية ومصادر المخابرات، معلومات أساسية موجزة عن هؤلاء اللاجئين ونوع المساعدات التي يتلقّونها. كما أنها تقدّم تصوّراً حول تأثير هذا التدفق للاجئين على المجتمعات المضيفة في مناطق لبنانية مختلفة.
 
تترتّب على وضع اللاجئين مجموعة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الوخيمة على لبنان. وللحيلولة دون تفاقم الأمور، يتعيّن على الحكومة اللبنانية تحسين إدارتها لملف اللاجئين وإعطاء الأولوية لاتّخاذ خطوات ملموسة للتخفيف من حدّة الأزمة.

اللاجئون السوريون في لبنان

ترتّبت على وصول أكثر من مليون لاجئ سوري عواقب كبيرة على لبنان، ذلك البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانه مايزيد قليلاً عن 4 ملايين نسمة. ووفقاً لما يقوله مادس الماس، المدير القطري للمجلس النرويجي للاجئين، فإن "أكثر من 80 في المئة من اللاجئين السوريين ينحدرون من الطائفة السنّية، وفيهم بعض العلويين والمسيحيين. أما المسجّلون حالياً لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الذين يقدّر عددهم بحوالي 430 ألفاً) فينتمون إلى الشرائح الأكثر فقراً من السكان ... ويقيم معظمهم في الشمال والجنوب والبقاع والهرمل". 
 
شكّل وجود اللاجئين في أفقر المناطق اللبنانية ضغطاً إضافياً على الاقتصادات المحلّية، وأدّى إلى حدوث توتّرات مع المجتمعات المضيفة. وفقاً لأحدث دراسة عن الفقر أجريت في العام 2008، فإن أكثر من 63 في المئة من سكان منطقة عكار الشمالية يعيشون تحت خط الفقر. وفي طرابلس، عاصمة الشمال، تصل هذه النسبة إلى 58 في المئة، وفي الهرمل والبقاع الغربي، تصل معدّلات الفقر إلى 33 و31 في المئة على التوالي.
 
بالإضافة إلى هؤلاء اللاجئين السوريين، يقدّر الماس عدد اللبنانيين الذين عادوا، بسبب الصراع، ممن كانوا يعيشون ويعملون في سورية ما بين 20 و30 ألفاً. هؤلاء اللبنانيون عرضة للتأثّر بالخطر بطرق مختلفة أكثر من اللاجئين السوريين في البلاد لأنهم ليسوا مؤهّلين للحصول على المساعدات. وقد فرّ أيضاً حوالي 40 ألفاً من الفلسطينيين من سورية إلى المخيمات اللبنانية التي تعجّ باللاجئين أصلا، والتي أنشأها برنامج وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابع للأمم المتحدة بعد الحرب العربية - الإسرائيلية في العام 1948.
 
في الوقت نفسه، اشترى السوريون الأثرياء، أو استأجروا، منازل في لبنان، وهم ليسوا مدرجين في السجلات الرسمية للمفوضية. وهناك أيضاً أسر العمال المهاجرين السوريين الذين كانوا بالفعل في لبنان، والذين يقدّر عددهم بما يتراوح بين 300 و400 ألف شخص.
 
وعلى العموم، كما يقول الماس، "يصل عدد أفراد الفئات المختلفة من المواطنين السوريين إلى أكثر من مليون شخص. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 75 ألف سوري يعبرون الحدود شهرياً". وقد شكّل تدفّق اللاجئين ضغطاً كبيراً على وكالات الإغاثة المختلفة.
 
أعلنت المفوضية العليا للاجئين أنها بحاجة إلى ما يقدّر بنحو 494 مليون دولار لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين من المعونات في جميع أنحاء المنطقة، والتي تم تأمين 33 في المئة منها فقط. وهي تعتزم تخصيص جزء من إجمالي هذا المبلغ - 267 مليون دولار أميركي - للبنان، ولكن لم يتم سوى تمويل 38 في المئة فقط من هذا الجزء، وفقاً لدانا سليمان، المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، وافقت الحكومة اللبنانية على خطة شاملة بمبلغ  370 مليون دولار للاجئين، منها 180 مليون دولار لمؤسسات الدولة اللبنانية و190 مليون دولار للوكالات الدولية.
 
حتى في الوقت الذي تعاني فيه من مشكلة التمويل، حاولت المنظمات غير الحكومية ووكالات الإغاثة تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين السوريين وتقديم مجموعة واسعة من أنشطة الإغاثة. وقد ركّزت الوكالات على توفير أماكن لإيواء السوريين عبر توفير الحماية من عوامل الطقس، من خلال نحو 700 مسكن وإعادة تأهيل أكثر من 100 ملجأ جماعي فضلاً عن دفع الإيجار لمئات العائلات السورية.
 
تمثّل الرعاية الصحية مصدر قلق رئيساً آخر لوكالات الإغاثة. إذ تؤكد سليمان: "في الوقت الراهن، تغطي المفوضية 85 في المائة من معاملات الرعاية الصحية، غير أن نقص التمويل اضطرّنا إلى اتّخاذ القرار الصعب المتمثّل في تقليص هذه التغطية". وهناك ما يزيد عن 11 ألف لاجئ يستفيدون من دعم الرعاية الصحية الأولية شهرياً.

تأثير اللاجئين على بلديات معيّنة

ينتشر اللاجئون السوريون في جميع أنحاء لبنان. ومع ذلك، ثمّة ثلاث مناطق رئيسة - وادي خالد وجنوب لبنان ووادي البقاع – تتجلّى فيها بصورة أفضل آثار الأزمة وضغوطها بين المجتمعات المضيفة واللاجئين. وهذا ناجم في الأساس عن الخصوصيات الجغرافية والدينية والديناميكيات القائمة بين المجتمعات المضيفة التي تتألف أساساً من لبنانيين سنة وشيعة وعلويين من جهة، واللاجئين السنّة بالدرجة الأولى من جهة أخرى.

وادي خالد

كان المهرّبون يستخدمون، قبل الحرب السورية، منطقة سهل وادي خالد في لبنان التي تمتدّ على طول الحدود السورية. وقد أصبحت المنطقة الآن ملاذاً آمناً للاجئين السوريين الذين يعيشون في الغالب بين الأسر المضيفة. كانت الروابط بين سكان وادي خالد والسوريين قوية على الدوام، حيث يرتبط الكثيرون منهم بأواصر عائلية. ومع ذلك، تعرّضت هذه الصداقة لضغوط في العام الماضي مع وصول نحو 17 ألف لاجئ. إذ تستضيف معظم الأسر الآن أعداداً كبيرة من السوريين، وتقول بعض المصادر إن تسعة لاجئين في المتوسط يعيشون مع كل عائلة مضيفة.
 
يشير محمود خزعل، رئيس بلدية وادي خالد السابق، إلى أن تدفّق اللاجئين "شكّل عبئاً على السكان المحليين تجاوز طاقتهم على الاحتمال بالفعل بسبب الوضع المتقلّب على الحدود والذي أسفر عن انخفاض نشاط التهريب، الذي يعدّ ضرورياً لسبل عيش معظم الأسر في المنطقة". بعد بدء الانتفاضة، أغلق النظام السوري الحدود، وزرع الجيش السوري الألغام فيها. وأصبح المهربون الذين اعتادوا على تحصيل ما بين 50 و100 دولار في اليوم بلا دخل. وكانت معظم عمليات التهريب تشمل الوقود والغاز والملابس وأجزاء الآلات الميكانيكية.
 
ويمثّل التضخّم مشكلة أخرى. إذ يقول الناشط المحلي اللبناني أحمد علي: "تضاعفت أسعار السلع ثلاث مرات في بعض الحالات". كما أن التوتّرات بين اللبنانيين والسوريين آخذة في التصاعد، وذلك نتيجة زيادة التنافس على الوظائف. وينظر إلى السوريين على أنهم عمالة رخيصة حيث "يلجأ المزيد من الناس الى السوريين الذين يتقاضون 6 دولارات في اليوم بدلاً من متوسط المعدل المحلي البالغ 20 دولارا"، وفق خزعل. كما يؤسّس اللاجئون السوريون مشاريعهم الخاصة. فقد ارتفع عدد الجزارين في المدينة والمناطق المحيطة بها، على سبيل المثال، من أربعة إلى 40.
 
غير أن السوريين في وادي خالد ينظرون إلى هذه التطورات بشكل مختلف. فقد تحدّث العديد من اللاجئين الذين تمت مقابلتهم عن شعورهم بالاستغلال والمهانة. فإلى جانب إجبارهم على العمل مقابل أجر أقلّ، يواجه السوريون أيضاً سوء المعاملة في المجالات الرسمية والمدارس والمستشفيات بسبب وضعهم كلاجئين. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يعبّرون عن القلق إزاء عدم تمكنهم من الانتقال من منطقة إلى أخرى لأنهم لايملكون تصاريح إقامة، والتي يمكن أن تكلف 200 دولار أميركي للشخص الواحد.
 
منذ بداية الانتفاضة، شهدت منطقة وادي خالد تزايداً في المناوشات بين السكان اللبنانيين والجيش السوري. في السنة الماضية، حصلت حوادث متفرّقة شملت عمليات قصف عنيف وإطلاق نار من الجانب السوري من الحدود إلى داخل لبنان، أودى بحياة أكثر من اثني عشر شخصاً.

جنوب لبنان

في الطرف الآخر من البلاد، بالقرب من مدينة صور بجنوب لبنان، نصبت الأسر السورية خيامها - عادة ما تكون مصنوعة من البلاستيك وأكياس القماش - في مناطق المدينة الزراعية وجل البحر والمساكن والبص ومعشوق. ووفقاً لفريق الاستجابة الإقليمية للاجئين السوريين التابع للمفوضية، هناك حوالي 60 ألف لاجئ مسجلين في جنوب لبنان. ويقدر طلال بحسون، العضو في بلدية صور، أن "حوالي ستة آلاف [من اللاجئين] يقيمون في منطقة صور".
 
وقال سكان المنطقة إن المجتمعات المضيفة في الجنوب تشعر بالانزعاج من تزايد أعداد اللاجئين. وأرجع إبراهيم، وهو نادل سابق في أحد المقاهي، فقدان وظيفته إلى المنافسة غير المشروعة من جانب العمال السوريين الذين لديهم الاستعداد للعمل بنظام الفترتين مقابل نصف الأجر. ومن جانبه قال حسين، وهو حلاق محلي: "يشعر الناس بأنهم مهمّشون بسبب ظروف عملهم المحفوفة بالمخاطر". وأضاف حسين أيضاً أن "اللاجئين السوريين زادوا من مستوى انعدام الأمن في المنطقة، حيث ارتفع عدد السرقات والاعتداءات في الأشهر القليلة الماضية". واتفق إبراهيم وحسين أنه كان هناك تصعيد واضح في حدّة التوتر بين اللبنانيين والسوريين في صور. وأضاف حسين "لايمكننا حقاً التعبير عن ذلك لأن بعض السوريين في المدينة مؤيدون للنظام ومحميون من الفصائل المحلية".

وادي البقاع

وفقاً للمفوضية، هناك حوالي 142 ألف لاجئ سوري مسجلون في وادي البقاع. وبحسب الناشط عبدالله شاهين، الذي يعمل مع اللاجئين في أحد المخيمات في مدينة تعلبايا البقاعية، تقوم أعداد متزايدة من المخازن والأسواق التابعة للمفوضية بإزالة بطاقات الأسعار من المواد الغذائية وتبيعها بأسعار أعلى. وقالت أم علاء، وهي لاجئة سورية، إن أصحاب الأسوق المحلية يقومون بخصم أكثر من 15 في المئة من قيمة جميع القسائم الغذائية التي توزعها الأمم المتحدة، وقسائم الوقود بنسبة 10 في المئة، في حين يستبدل اللاجئون قسائم الأمم المتحدة نقداً بسعر مخفّض لتأمين الأموال اللازمة لدفع الإيجارات.
 
وهناك مشكلة أخرى في تعلبايا تتمثّل في تزايد التوتر بين المقيمين من اللاجئين السوريين، ومعظمهم من السنة، وبين الشيعة. فقد اعترف موظف لبناني في إحدى المنظمات غير الحكومية بتعرّض لاجئين سوريين لهجوم وهم في طريقهم إلى مسجد رفيق الحريري، حيث يتم توزيع المساعدات بصورة منتظمة. وقال: "يتعرض اللاجئون السوريون للضرب بواسطة بلطجية شباب ينتمون إلى الطائفة الشيعية. لكن هذه الحوادث من صنع أفراد وليست من صنع أطراف محلية".
 
تؤوي عرسال في منطقة البقاع الآن، وهي بلدة يقطنها 45 ألف نسمة، حوالي 15 ألف لاجئ سوري. ونظراً لموقعها على الحدود مع سورية التي يسهل اختراقها ولا تتوفر لها الحراسة، أصبحت عرسال مكاناً لعبور اللاجئين القادمين إلى لبنان. معظمم سكان البلدة من السنة ولكنها محاطة بقرى شيعية سكانها موالون لحركة أمل وحزب الله، حيث لعب هذا الأخير دوراً نشطاً في الحرب السورية عبر القتال إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

الأثر الاقتصادي المحلي

وكما يتضح من التطورات التي حدثت في هذه المناطق الثلاث، كان للتدفّق واسع النطاق للاجئين السوريين في لبنان أثر اقتصادي كبير على مختلف المناطق التي استقروا فيها. ويرتبط بعض هذا التأثير بزيادة الإنفاق العام الذي لا يمكن للحكومة أن تموّله بالكامل والضغط الإضافي على البنية التحتية المحلية. وفي حين لم تتمكن من تقدير التكاليف، أفادت البلديات اللبنانية بحدوث زيادة كبيرة في النفقات المباشرة وغير المباشرة. ومع ذلك، "نواجه مشاكل مع قضايا النفايات، مع تزايد عدد الأسر السورية التي تقدر الآن بنحو 600 في منطقة اللبوة وحدها"، كما يقول رامز أمهز، رئيس بلدية اللبوة في قضاء بعلبك. وتتعرّض إمدادات المياه ونظام التعليم والرعاية الصحية إلى الضغط أيضاً، كما ذكر رؤساء بلديات ومقيمون في منطقة وادي خالد.
 
بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي تدفق اللاجئين السوريين إلى تزايد المنافسة في قطاعات معينة. ويبدو هذا واضحاً بشكل خاص في قطاعي البناء والزراعة وكذلك بين العمال غير المهرة وشبه المهرة، كما يوضح راغد عاصي، الذي يتولى إدارة أحد البرامج في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
 
كما يشهد لبنان تضخّماً في المناطق التي يتركّز فيها اللاجئون السوريون. إذ يقول حسين زعيتر، رئيس بلدية القصر في منطقة الهرمل، إن أسعار الإيجارات تضاعفت مرتين لا بل وصلت إلى ثلاث مرات.

تصاعد التوتّرات الاجتماعية والطائفية

في المناطق الأخرى ذات الكثافة العالية من اللاجئين، أدّى التفاوت بين اللاجئين والسكان المحليين إلى إثارة توتّرات اجتماعية. إذ ينظر في كثير من الأحيان إلى اللاجئين على أنهم يستفيدون من امتياز الوصول إلى الموارد غير المتاحة لمضيفيهم المحليين، والذين يحاولون بدورهم استغلالهم. وفقاً لما يقوله الناشط الحقوقي السوري المقيم في عرسال محمد أبو عويد، غالباً ما يعقب توزيع المساعدات حدوث اشتباكات بين اللاجئين السوريين أو بين اللاجئين والسكان المحليين اللبنانيين. كما أبلغ خزعل، الرئيس السابق لبلدية وادي خالد، وراشيل روتلي، مديرة المنح في شعبة التعاون الإقليمي التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، عن وجود صراع بين السوريين يتعلّق بتوزيع المساعدات.
 
ويُتَّهم السوريون أيضاً بالوقوف وراء تزايد انعدام الأمن الذي تشهده مدينة صور. فقد ادّعى ضابط أمن لبناني في جهاز مخابرات الدولة بأن الجرائم التي تشتمل على سوريين تضاعفت في العام الماضي. وقد أدّى ذلك إلى فرض حظر التجول على المواطنين السوريين في العديد من المناطق اللبنانية، مثل عاليه.
 
وزادت التوتّرات الطائفية أيضاً، وخاصة في بعض المناطق ذات الكثافة الكبيرة من اللاجئين. بالإضافة إلى الحوادث التي جرت في تعلبايا، أفاد السوريون في الهرمل عن هجمات تعرضت لها حافلات نقل اللاجئين. ومع ذلك، فقد شدّد الأشخاص الذين جرت مقابلتهم في المنطقتين على أن الهجمات تمت بواسطة أفراد، لا من جانب أشخاص متحالفين مع جماعات سياسية. كما أشار ضابط الأمن إلى أن "معظم الحوادث الطائفية ناجمة في الواقع عن الانقسام السياسي المتزايد الذي يكتنف مسألة الثورة السورية".

تدهور العلاقات الثنائية وتعميق الانقسامات

يشكّل وجود اللاجئين السوريين وتزايد التوتّرات الثنائية بين لبنان وسورية تهديداً أمنياً وسياسياً متزايداً للبنان. فقد أصبحت الحوادث الحدودية أكثر تواتراً وشيوعاً. وفي اجتماع أمني عقده الرئيس اللبناني ميشال سليمان في قصر بعبدا في منتصف نيسان/أبريل، تم تكليف وزير الخارجية المؤقت عدنان منصور بصياغة مذكرة لجامعة الدول العربية للإبلاغ عن هجمات عبر الحدود قام بها الجيش السوري مؤخراً.
 
أطلق الجيش السوري الحر في 13 و14 نيسان/أبريل، قذائف على بلدة القصر الشيعية. وفقاً لأبو عدي، وهو قائد في لواء الفاروق بالجيش الحر، والذي نقلت عنه الشركة الإعلامية اللبنانية "نهارنت"، فقد جاء الهجوم انتقاماً من حزب الله بسبب قصفه مناطق القصير والنهرية والبرهانية وسقرجة السورية. وقد جادل حزب الله بأنه يدافع عن قرى على الجانب السوري من الحدود حيث أقام 15 إلى 30 ألف شيعي لبناني على مدى عقود. ووقعت حوادث قصف مماثلة في عرسال، التي ضربتها صواريخ أطلقها النظام السوري. ادعى النظام أنه كان يستهدف مقاتلي الجيش السوري الحر. ولذا فإن من المؤكد أن يؤدّي ازدياد تورّط حزب الله في منطقة القصير القريبة إلى مفاقمة التوترات.
 
وفي نيسان/أبريل أيضاً، هزّت سلسلة من عمليات الخطف والخطف المضاد بلدة عرسال والبقاع الغربي، وانتهت بإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى الجانبين. بدأت عمليات الخطف في أعقاب خطف حسين جعفر من بلدة حي البستان في الهرمل في 24 آذار/مارس. وعلى غرار وادي خالد، تعتمد عرسال بشكل كبير على عمليات التهريب. ووفقاً لمصادر محلية، يتم تهريب السلع المختلفة، مثل البنزين والمعادن من سورية إلى لبنان، في حين يتم تهريب السيارات المسروقة من لبنان الى سورية. أدّت هذه التجارة غير المشروعة، التي يُزعم أنها تتضمن أفراداً من عشيرة جعفر، إلى حدوث خلاف بينهم وبين سكان عرسال، انتهى بعمليات الخطف المشار إليها آنفاً. وأوضح مصدر محلي في عرسال بأن "الحرب السورية أضفت على هذا الحادث بعداً طائفياً نظراً لاصطفاف الفصائل المختلفة مع أو ضد النظام السوري". وأضاف عويد أن "عمليات الخطف هذه، والتي وصفتها وسائل الإعلام بأنها طائفية، تضرب بجذورها في حروب العصابات التي تجري بين سكان عرسال السنة وشيعة من الهرمل مثل آل جعفر".
 
وفي وادي خالد تفاقم التوتر أيضاً بين اللبنانيين العلويين والسنة بسبب جرائم الخطف المتبادلة. ففي حزيران/يونيو الماضي، خطف سكان وادي خالد عدداً من العلويين السوريين واللبنانيين بعد أن خطفت قوات النظام السوري أحمد سليمان، أحد أبناء المنطقة.
 
وتستمر التوتّرات التي تكتنف النزاعات العالقة بين لبنان وسورية في التزايد، كما يتّضح من حالة الحجاج اللبنانيين الشيعة التسعة الذين لا زالوا محتجزين كرهائن في سورية منذ أيار/مايو 2012. في نيسان، وقد قامت أسر هؤلاء الحجاج باتخاذ تدابير انتقامية ضد السوريين في لبنان، حيث منعتهم من التوجّه إلى أماكن عملهم في الشويفات وأغلقت المحلات التجارية التي يملكها السوريون في حي السلم.

جرّ لبنان إلى الحرب

كما يزيد وجود اللاجئين السوريين في لبنان من إمكانية حدوث فتنة وجرّ البلاد مباشرة إلى الصراع السوري. فهناك بعض البلديات اللبنانية المنخرطة مع المعارضة السورية. وفي حين تعترف مصادر في وادي خالد بأنها شكّلت شبكة غير رسمية من المقاتلين تنسّق العمليات بين القرى المختلفة عندما يتم قصف المنطقة من جانب جيش النظام السوري، فإنها تنفي وصول ناشطين في الجيش السوري الحر إلى المنطقة. وقد تم تأكيد هذا من مصدر محلي في الجيش الحر، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
 
في المقابل، يتعاون المقيمون في عرسال على ما يبدو مع الجيش الحر على الجانب الآخر من الحدود. وبالإضافة إلى ذلك، يمرّ المتمردون الذين يدخلون سورية من لبنان للقتال ضد النظام عبر الحدود في عرسال.
 
في مناطق أخرى، عمدت بعض الأطراف اللبنانية إلى دعم وحماية اللاجئين السوريين الموالين للأسد. ويقول كريم حسين، وهو طالب سوري في لبنان: "في مناطق مثل الحمراء [في بيروت] أو الضاحية، يستفيد اللاجئون السوريون الذين يؤيدون تيار 8 آذار [تحالف موالي للنظام السوري] من بعض تدابير الحماية التي توفرها بعض الأحزاب مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي أو حركة أمل". وبالإضافة إلى ذلك، فإن التورط العلني لحزب الله في منطقة القصير الحدودية السورية يقحم لبنان أكثر في الصراع السوري، ويؤجّج التناحر بين السنة والشيعة. فقد ردّ سلفيون سنة من طرابلس وصيدا على ممارسات حزب الله من خلال إطلاق دعوات للجهاد.

توصيات للحكومة اللبنانية

ستتفاقم مشاكل اللاجئين في لبنان مع اتساع رقعة الصراع في سورية. وتفتقر الحكومة اللبنانية حالياً إلى وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع اللاجئين، وهو ما لايبشّر بالخير بالنسبة إلى بلد يعاني بالفعل من الانقسام السياسي والصراع الطائفي. لكن هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن يتّخذها واضعو السياسات في بيروت لتحسين الوضع والعمل نحو إيجاد حل.
 
جمع المزيد من المساعدات لضمان استقرار لبنان. يجب على الحكومة اللبنانية تسليط الضوء على حاجة البلاد الملحّة للحصول على مساعدات دولية لمساعدة اللاجئين. وينبغي أن يكون لبنان من أولويات فريق الاستجابة الإقليمية للاجئين السوريين في المفوضية. فهو البلد المتاخم لسورية الأكثر عرضة إلى تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين بسبب عدم الاستقرار النسبي فيه ومساحته الجغرافية المحدودة وقلة عدد سكانه. ويتعيّن على بيروت أن تطلق نداءً عاجلاً لتأمين نسبة الـ 62 في المائة المتبقية من الأموال المخصصة لبنان في خطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
 
 محاربة الفساد. يعوق الفساد بشدّة جهود الإغاثة الحالية ويفاقم التوتّر بين السوريين واللبنانيين. وتحتاج وكالات الإغاثة إلى وجود إشراف أفضل لديها على الموزعين وعلى مخازن الأغذية التابعة للمفوضية.
 
منح اللاجئين وضعاً قانونياً مجانياً مؤقتاً وتحديد إطار قانوني لهم. يعيش معظم اللاجئين السوريين بصورة غير قانونية في لبنان لأنهم لايستطيعون تحمّل دفع رسوم الإقامة. ويحرم عدم وجود تصاريح إقامة الكثير من اللاجئين من الاستقرار في بلدان أخرى تكاليف الإقامة فيها أرخص وهي مضيافة أكثر، الأمر الذي سيكون في مصلحة لبنان.
 
ربما ترغب الحكومة اللبنانية أيضاً في بحث إمكانية فرض سقف للإيجار على أصحاب العقارات الذين يستضيفون اللاجئين السوريين، وكذلك توضيح الإطار القانوني لعقود الإيجار المؤقتة.
 
 إقامة مشاريع تنموية موجهة للجماعات المهمّشة للمساعدة في إعادة بناء الثقة في الدولة. ينبغي أن تقترن الاستجابة لحالات الطوارئ بمساعدة تنموية ومشاريع بنية تحتية على المدى الطويل توظف السكان المحليين. ومن شأن هذه المشاريع أن تعود بالفائدة على اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة على حدّ سواء، كما ستساعد في إعادة بناء الثقة بين المجتمعات المضيفة والدولة اللبنانية.
 
 إنشاء مخيمات. إن من شأن إنشاء مخيم للاجئين للسوريين في المناطق الحدودية أن يحلّ مشكلة التسجيل ويسهل جهود الإغاثة ويخفّف الأعباء على السكان المحليين ويهدّئ المخاوف الأمنية.
 
سيكون من الحماقة بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية أن تعتقد أن وضع اللاجئين السوريين سيتحسّن من تلقاء نفسه. ولذا يجب عليها أن تتّخذ إجراءات مباشرة، وذلك بالتنسيق مع المجتمع الدولي، للتخفيف من حدّة الأزمة حتى لاتؤدّي إلى زيادة عدم الاستقرار الداخلي والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.