أثار اكتشاف حقول غاز ضخمة في حوض المشرق في العامين 2009 و2010 نزاعاً مابين لبنان وقبرص وإسرائيل، حيث اتّخذ كلٌّ منها خطوات لضمان حصّته في الاحتياطي الذي يُقدَّر بـ3.45 تريليون متر مكعّب.

تطرّق علي برّو، الذي يشرف حالياً على برامج الإصلاح الإداري في مكتب وزير الدولة للإصلاح الإداري، إلى استعداد لبنان الإداري والتحديات التي تنتظر الحكومة اللبنانية. وفي حين تناول وليد خدوري، الكاتب في دار الحياة، التأثيرات الإقليمية لهذه الحقول، ناقش سامي عطالله، مدير المركز اللبناني للدراسات، التداعيات الاقتصادية للعائدات الضخمة المحتملة.

أزمة حدود تلوح في الأفق

أشار وليد خدوري إلى أن التوتر بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية تأجّج منذ اكتشاف حقل تمار للغاز في البحر المتوسط في العام 2009. فالبلَدان أعلنا أن حدودهما في البحر المتوسط متداخلتان، وكلٌّ منهما أكّد على حقّه في الاحتياطي ضمن حدوده. وقال خدوري شارحاً أن إسرائيل تتطلّع إلى وضع حدّ لاعتمادها على واردات الغاز من جيرانها في الشرق الأوسط، وأن كلا البلدين مهتمّ بالعائدات المحتملة لتصدير الاحتياطي الهائل. 

واستعرض برّو وخدوري أربعة عوامل تعقّد النزاع:

  • غياب العلاقات الدبلوماسية: لايزال لبنان وإسرائيل رسمياً في حالة عداء.

  • غياب حدود برية مُتَّفَق عليها من الطرفين: غياب حدود برية مشتركة ومُعترَف بها بين لبنان وإسرائيل يعقِّد قضية الحدود البحرية أكثر.

  • اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار: لاتتقيّد إسرائيل بالمبادئ التي نصّت عليها اتفاقية الأمم المتحدة، بما أنها ليست من الدول الموقِّعة عليها.

  • تعدُّد أصحاب المصلحة: يُعتَقَد أن الغاز المستخرَج قبالة سواحل البحر المتوسط يمكن أن يصل إليه كلٌّ من لبنان، وسوريا، وقطاع غزة، ومصر، وقبرص. وتركيا بدورها تطالب بحصة في الحقول الممتدّة إلى شمال قبرص.

لكن خدوري شدّد على أن تصاعد حدّة النزاع لايصبّ في مصلحة أي من الأطراف المعنية، ذلك أنه سيعرقل عملية استخراج الغاز وإنتاجه. 

من المنظور اللبناني

وفقاً لبرّو، شكّل قانون النفط للعام 2010 خطوةً أساسيةً نحو استخراج النفط، والموافقة على التنقيب في البحر، وتحديد نظام التعاقد الذي يجب اعتماده. ولفت برّو إلى أن لبنان يفتقر إلى الخبرة في مجال احتياطيات الطاقة، الأمر الذي يطرح عدداً من التحديات أمام الحكومة:

  • الإدارة: رأى برّو أن لبنان يحتاج إلى تطوير آلية تنافسية وشفافة لإجراء المناقصات، بهدف الحفاظ على التوازن بين تأمين الأرباح للدولة وبين تزويد المؤسسات بالحوافز لمواصلة التنقيب في البحر المتوسط الذي لم يُستكشَف بالكامل بعد. ويجب أن تكون هيئة البترول غير سياسية للحرص على أن يتمّ استخراج أفضل الكميات مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان على المدى الطويل.

  • إدارة العائدات: اعتبر عطالله أنه يجب التعامل مع العائدات على أنها أصول غير متجدّدة بدلاً من كونها مصادر لتدفّق الدخل. وإنشاء صندوق للثروة السيادية هو إحدى الوسائل للالتزام بإدارة العائدات بشكل مستدام، ولتفادي التذبذب في الإنفاق المالي الذي يمكن أن يترافق وأسعار غير ثابتة للطاقة.

  • إدارة الأثر على القطاعات الأخرى: حذّر عطالله من أن زيادةً في عائدات الموارد الطبيعية ستؤدّي على الأرجح إلى تراجع في تنافسية قطاعَي الصناعة والزراعة. هذا الأمر يمكن أن ينتج عن ارتفاع أسعار الصرف مع تزايد تدفّق العملات الأجنبية أو عن انتقال الموارد إلى القطاعات غير القابلة للتداول التي من المرجّح أن تشهد ارتفاعاً في الطلب المحلي.

  • التنمية والأسواق: خَلُص برّو إلى أنه على المدى الطويل، إذا تخطّت كميات النفط المُكتشَفة الحاجات المحلية، فعلى لبنان أن يفكّر في احتمالات التصدير، ويبدأ بإنشاء البنية التحتية اللازمة لتسييل الغاز الطبيعي ونقله.

تحويل الموارد الطبيعية إلى ازدهار اقتصادي أمر لايجوز الاستخفاف به. فقد لفت عطالله إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في النروج تضاعف بين العامين 1980 و2008، بينما تراجع إلى النصف في السعودية في الفترة نفسها. وخَلُص عطالله إلى أن الاستفادة من الفرص التي تتيحها الاكتشافات في مجال الطاقة أو تفويتها إنما يعتمدان على نوعية المؤسسات السياسية والاقتصادية المُكلَّفة بإدارة هذه الاكتشافات.