لقد استخدمت روسيا والصين الفيتو مؤخراً لاعتراض محاولة جامعة الدول العربية نيلَ دعمِ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لخطة العمل التي اقترحتها في مايتعلّق بالانتقال السياسي في سوريا. في غضون ذلك، لايزال العنف يستعر على الأرض في سوريا، في وقت يزداد الرئيس بشار الأسد تصلّباً.

موقف الصين هذا الحازم بشكلٍ غير معهود يحلّله يزيد صايغ في سؤال وجواب. فيرى صايغ أنه على الرغم من أن بيجينغ لزمت الحياد الحذر في مايتعلّق بالمنطقة، إلا أن موقفها الحالي يعكس انزعاجها المتزايد مما تعتبره سياسةً أميركيةً هدفها سدّ الطريق أمام وصولها إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. ولذلك، سيصبح من الأصعب أكثر فأكثر البقاء على الحياد في ظلّ تدهور الوضع في سوريا في الأسابيع والأشهر المقبلة. 

لماذا استخدمت الصين الفيتو ضدّ قرار مجلس الأمن؟ وهل يضع ذلك بيجينغ على طرفي نقيض مع جامعة عربية أكثر ديناميكية؟

يزيد صايغ
يزيد صايغ باحث رئيسي في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تركّز أبحاثه على الأدوار السياسية والاقتصادية المقارَنة للقوات المسلحة العربية، والتداعيات التي تخلّفها الحرب على الدول والمجتمعات، والجوانب السياسية لعملية إعادة البناء وتحوّل قطاع الأمن وفي المراحل الانتقالية التي تشهدها الدول العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج الأنظمة السلطوية.
More >

وضع الصين حالياً حرج ومثير للاهتمام. فدبلوماسيتها ومقاربتها للشؤون الدولية والشرق أوسطية استندتا أساساً إلى رغبتين هما ضمان حصّتها من الطاقة، وزيادة علاقاتها الاقتصادية في المنطقة إجمالاً، مع أن الرغبة الأخيرة ليست هامةً إلى الآن. إن جوهر السياسة الصينية هو السعي إلى تحقيق التعاون في إدارة الشؤون الدولية. بالتالي، ماتسعى إليه الصين في الشرق الأوسط، سواء في مايختصّ بالعلاقات على صعيد الاقتصاد أو الطاقة، أم في مايتعلّق بالنزاعات، كالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أو بالوضع في ليبيا وسوريا، فهو التعاون والتفاوض وحلّ النزاعات.

أما السبب في محافظة الصين على معارضتها التقليدية للتدخّل العسكري وما تعتبره سياسةً غربيةً في المنطقة، فيعود جزئياً إلى تاريخها. لقد سبق وعانت من التدخّل الأجنبي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ناهيك عن العقوبات التي فُرِضَت عليها بقيادة الولايات المتحدة لسنوات طويلة أثناء الحرب الباردة. من الواضح إذاً أنّ للصينيين أسبابهم التي تجعلهم حسّاسين للغاية إزاء كلٍّ من التدخّل والعقوبات، وهم بالتالي متردّدين في دعم هاتين الخطوتين، حتى وإن كانتا تستهدفان أنظمة سلطوية في الشرق الأوسط.

لقد سعت الصين إلى مايسمّيه الأتراك علاقات "صفر مشاكل" مع الخارج، غير أنه أصبح من الصعب أكثر فأكثر عليها، أي الصين، أن تحافظ على مثل هذه السياسة، الأمر الذي يعكسه بوضوح موقفها الدبلوماسي إزاء الأحداث في الشرق الأوسط طوال العام المنصرم.

فكانت الصين اتّخذت موقفاً حيادياً إزاء التصويت في مجلس الأمن على فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا في آذار/مارس 2011، على الرغم من هواجسها واستيائها حيال مبدأ التدخّل العسكري بقيادة حلف شمال الأطلسي. وهي لم تستخدم الفيتو ضدّ القرار لأن الجامعة العربية هي مَن بادر إليه. لكنها في مقابل ذلك، كانت مستعدةً لاستخدام الفيتو ضدّ مشروع القرار الذي اقترحه أربعة أعضاء أوروبيين في مجلس الأمن، والذي قضى بفرض عقوبات على سوريا في أواخر العام 2011. 

يبدو أنه عندما كانت جامعة الدول العربية تتّخذ مبادرات وتفرض عقوبات أو غيرهما في مامضى، كانت الصين تشعر بأن دعمَها كلَّ مايقرّره العرب بأنفسهم هو دعم مشروع أكثر. بيد أنها، باستخدامها الفيتو في مجلس الأمن للمرة الثانية، حينما سعت الجامعة العربية إلى الحصول على موافقة على خطة عملها في أوائل شباط/فبراير 2012، وضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع الإجماع العربي.

وقد دافعت الصين عن استخدامها حقّ النقض باعتبارها إياه وسيلةً للحؤول دون تدخّل غربي آخر ترى أنه أسفر عن "مصائب" في أفغانستان والعراق. كما أن الصين تشعر بأن حلف شمال الأطلسي "أساء استخدام" قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، إذ إنه لم يستعمل قوة سلاحه لحماية المدنيين فقط، بل استغلّه لمساعدة طرف واحد في الحرب الأهلية ولإسقاط نظام القذافي.

لكن يجب النظر أيضاً إلى الفيتو من منظار أوسع، أي انطلاقاً من استياء الصين المتزايد حيال ماتعتبره سياسةً أميركيةً هدفها حرمانها من الوصول إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. وقد أتى إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أوائل كانون الثاني/يناير، عن مراجعة دفاعية تُحوِّل تركيز القوات المسلحة الأميركية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ليعمّق الاعتقاد بقيام سياسة مناهضة للصين. فكانت النتيجة معارضة الصين الصريحة لاقتراح الولايات المتحدة فرضَ حظرٍ على استيراد النفط الإيراني.

أما مستقبلاً، فأعتقد أن الصين سترغب في العودة إلى موقف أكثر حياداً، والسعي إلى قواسم مشتركة مع الجامعة العربية إذا أمكن. لهذا السبب يرى إعلامُها الرسمي أن الفيتو الروسي-الصيني المشترك في الأمم المتحدة سيفتح "نافذةً من الفرص" لحلّ الأزمة السورية. لكني أظنّ أن الموقف الصيني سيصبح صعباً أكثر فأكثر إذا ماتدهور الوضع داخل سوريا في الأشهر المقبلة. قد تحثّ روسيا الحكومة السورية على التعهّد بإجراء الإصلاحات وإتاحة المشاركة بالسلطة لتفادي تدخّلٍ دولي أكبر سيدفع بالصين إلى إعادة النظر في موقفها في حال حصل.

كيف أثّرت مواقف بيجينغ على الرأي العام حيال الصين في الشرق الأوسط؟

في الإجمال، يبقى دور الصين غير بارز في معظم أرجاء الشرق الأوسط، ماعدا بعض الدول مثل إيران أو السودان اللتين عقدت معهما علاقات على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وفي مجال الطاقة. كما أنها زوّدت بالأسلحة والمعدات والتدريب الدولَ التي تخضع إلى حصار من الغرب أو التي لاتربطها علاقات جيدة معه.

أما في أرجاء أخرى من المنطقة، فلا يتذكّر الناس الصين إلا في أوقات معيّنة مثلما حصل عند التصويت على العقوبات ضدّ سوريا في مجلس الأمن. لذا من المبكر تقييم الأثر الذي تركه في الرأي العام الفيتو الصيني ضدّ مشروع القرار المؤيِّد لخطة عمل الجامعة العربية.

من ناحية، ثمة مَن يبدي تعاطفاً كبيراً مع الشعب السوري ضدّ الحكومة السورية، ويعتبر أن الفيتو الصيني-الروسي يطيل حياة النظام. لكن من ناحية أخرى، كثرٌ هم العرب الذين يعارضون كلّ شكل من أشكال التدخّل الأجنبي، والذين اشتدّ عزمُهم بفعل الدعم الروسي والصيني. هؤلاء يخشون من أن الغرب يستغلّ مسألة حقوق الإنسان في سوريا لتحقيق أجندته الخاصة وإضعاف حكومة عربية تلتزم بما بالمقاومة ضدّ إسرائيل. لذلك، نظراً إلى التردّد والانقسام الكبيرين في الرأي العام العربي، لايمكن أن نتوقّع وجود نظرة موحّدة إلى الصين.

كما أنه جدير بالذكر أن العلاقات العربية والشرق أوسطية مع الصين توسّعت إلى مايتعدّى القضايا السياسية البارزة. فأكثر من نصف صادرات الطاقة من الخليج، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي، يذهب إلى شرق آسيا؛ علماً أن السعودية وقّعت اتفاقات هامة في مجال الطاقة مع الصين وغيرها من الزبائن الشرق آسيويين. بالتالي، هذه العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تصبح أكثر تنوّعاً، فضلاً عن أنها استراتيجية إلى حدّ كبير في قطاع الطاقة، ولذلك من غير المرجّح أن تتأثّر بالأحداث الجارية في سوريا.

كيف ستوازن الصين مابين مصالحها الاقتصادية المتنامية في المنطقة، ورغبتها في البقاء على الحياد؟

أعتقد أن المعضلة بالنسبة إلى الصين تكمن في كيفية ممارسة النفوذ في الشرق الأوسط. موقع الصين الجغرافي بعيد عن الشرق الأوسط، على عكس الهند التي تبني قوة بحرية لهدف صريح وهو الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة الممتدة من مضيق ملقا وصولاً إلى الخليج. والصين حالياً لاتمتلك مثل هذا الوجود البحري في المحيط الهندي أو بحر العرب، ومن المستبعد أن تبدأ بممارسة نفوذها العسكري في المنطقة قريباً. بالتالي، الخيار الحقيقي الوحيد أمامها هو ممارسة دبلوماسيتها الناعمة أو قوّتها الناعمة، من خلال عرضها بناء علاقات اقتصادية وسياسية تقوم على احترام السيادة والاعتراف بها بشكل متبادل.

من الناحية العملية، إذا ماكانت الصين لتضطلع بدور أكبر، فستحتاج إلى إطار من التعاون يشمل الولايات المتحدة وأوروبا. في هذا السياق، يميل بعض المفكّرين والقادة السياسيين العرب إلى الاعتقاد بأن صعود الصين لابد وأن يتنافس أو يتعارض مباشرةً مع الغرب، وهو برأيي قراءة خاطئة جداً للسياسة الصينية الخارجية ولما تسعى وراءه الصين.

من المرجّح أكثر أن تحاول الصين أن تكون شريكاً فاعلاً في المبادرات متعددة الأطراف. قد نرى مثلاً البحرية الصينية تشارك في الدوريات الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب من أجل مكافحة القرصنة حول الصومال. وهنا يُذكَر أنه في أواخر العام 2011، دعت جزر السيشيل الصين والعديد من الدول الأخرى إلى وضع سفن في مياهها الإقليمية كي يُتاح للصين المشاركة في أنشطة مكافحة القرصنة.

وهذا الشكل من التعاون متعدّد الأطراف يظهر أيضاً أن الصين لن تسعى إلى التنافس والمواجهة مع قوى أخرى، بل ستتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما، وتسعى إلى دور يكمّل دور هذه الأطراف. لكن هذا الأمر منوط بالتوجّهات العالمية الأوسع، كاحتمال قيام توتّرٍ أميركي صيني حيال منطقة آسيا والمحيط الهادئ أو موارد الطاقة.